الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الماوردي: قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: التوراة التي فرق فيها بين الحق والباطل، قاله مجاهد، وقتادة.الثاني: هو البرهان الذي فرق بين حق موسى وباطل فرعون، قاله ابن زيد.الثالث: هو النصر والنجاة فنصر موسى وأشياعه، وأهلك فرعون وأتباعه قال الكلبي. اهـ..قال ابن عطية: ثم عقب بالتمثيل بأمر موسى عليه السلام، و{الفرقان} فيما قالت فرقة التوراة وهي الضياء والذكر، وقرأ ابن كثير وحده {ضيئاء} بهمزتين قبل الألف وبعدها، وقرأ الباقون {ضياء} بهمزة واحدة بعد الألف، وقرأ ابن عباس {ضياء} بغير واو وهي قراءة عكرمة والضحاك وهذه القراءة تؤيد قول من قال المراد بذلك كله التوراة، وقالت فرقة {الفرقان} هو ما رزقه الله من نصر وظهور حجة وغير ذلك مما فرق بين أمره وأمر فرعون، و{الضياء} التوراة و{الذكر} بمعنى التذكرة، وقوله تعالى: {بالغيب} يحتمل ثلاث تأويلات أحدها في غيبهم وخلواتهم وحيث لا يطلع عليهم أحد وهذا أرجحها، والثاني أنهم يخشون الله تعالى على أمره تعالى غائب وإنما استدلوا بدلائل لا بمشاهدة، والثالث أنهم يخشون الله ربهم بما أعلمهم به مما غاب عنهم من أمر آخرتهم ودنياهم، والإشفاق أشد الخشية و{الساعة} القيامة، وقوله تعالى: {وهذا} إشارة إلى القرآن، و{أنزلناه} إما أن يكون بمعنى أتيناه بمعنى كما تقول أنزل السلطان فلانًا بمكان كذا إذا أثبته له، وإما أن يتعلق النزول بالملك، ثم وقفهم الله تعالى تقريرًا وتوبيخًا هل يصح لهم إنكار بركته وما فيه من الدعاء إلى الله تعالى وإلى صالح العمل. اهـ..قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} فيه ثلاثة أقوال:أحدها: أنه التوارة التي فرَّق بها بين الحلال والحرام، قاله مجاهد، وقتادة.والثاني: البرهان الذي فرق به بين حق موسى وباطل فرعون، قاله ابن زيد.والثالث: النصر والنجاة لموسى، وإِهلاك فرعون، قاله ابن السائب.قوله تعالى: {وضياءً} روى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يرى الواو زائدة؛ قال الزجاج: وكذلك قال بعض النحويين أن المعنى: الفرقان ضياء، وعند البصرين: أن الواو لا تُزاد ولا تأتي إِلا بمعنى العطف، فهي هاهنا مثل قوله تعالى: {فيها هدىً ونورٌ} [المائدة: 44].قال المفسرون: والمعنى أنهم استضاؤوا بالتوراة حتى اهتدَوا بها في دينهم.ومعنى قوله تعالى: {وذِكْرًا للمتَّقين} أنهم يذكرونه ويعملون بما فيه.{الذين يخشون ربَّهم بالغيب} فيه أربعة أقوال:أحدها: يخافونه ولم يرَوه، قاله الجمهور.والثاني: يخشَون عذابه ولم يروه، قاله مقاتل.والثالث: يخافونه من حيث لا يراهم أحد، قاله الزجاج.والرابع: يخافونه إِذا غابوا عن أعين الناس كخوفهم إِذا كانوا بين الناس، قاله أبو سليمان الدمشقي.ثم عاد إِلى ذِكْر القرآن، فقال: {وهذا} يعني: القرآن {ذِكْرٌ} لمن تذكَّر به، وعظة لمن اتَّعظ {مباركٌ} أي: كثير الخير {أفأنتم} يا أهل مكة {له مُنْكِرون} أي: جاحدون؟! وهذا استفهام توبيخ. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان وَضِيَاءً}.وحكي عن ابن عباس وعكرمة {الْفُرْقَانَ ضِيَاءً} بغير واو على الحال.وزعم الفراء أن حذف الواو والمجيء بها واحد، كما قال الله عز وجل: {إِنَّا زَيَّنَّا السماء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب وَحِفْظًا} [الصافات: 6 7] أي حفظًا.ورد عليه هذا القول الزجاج.قال: لأن الواو تجيء لمعنى فلا تزاد.قال: وتفسير {الفرقان} التوراة؛ لأن فيها الفرق بين الحرام والحلال.قال: {وَضِيَاءً} مثل {فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} وقال ابن زيد: {الفرقان} هنا هو النصر على الأعداء؛ دليله قوله تعالى: {وما أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان} [الأنفال: 41] يعني يوم بدر.قال الثعلبي: وهذا القول أشبه بظاهر الآية؛ لدخول الواو في الضياء؛ فيكون معنى الآية: ولقد آتينا موسى وهارون النصر والتوراة التي هي الضياء والذكر.{لَّلْمُتَّقِينَ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب} أي غائبين؛ لأنهم لم يروا الله تعالى، بل عرفوا بالنظر والاستدلال أن لهم ربًا قادرًا، يجازي على الأعمال فهم يخشونه في سرائرهم، وخلواتهم التي يغيبون فيها عن الناس.{وَهُمْ مِّنَ الساعة} أي من قيامها قبل التوبة.{مُشْفِقُونَ} أي خائفون وجلون.{وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ} [الأنبياء: 50] يعني القرآن {أَفَأَنْتُمْ لَهُ} يا معشر العرب {مُنكِرُونَ} وهو معجز لا تقدرون على الإتيان بمثله.وأجاز الفراء {وَهذا ذِكْرٌ مُبَارَكًا أَنزَلْنَاهُ} بمعنى أنزلناه مباركًا. اهـ..قال أبو حيان: ولما ذكر ما أتى به رسوله صلى الله عليه وسلم من الذكر وحال مشركي العرب معه، وقال: {قل إنما أنذركم بالوحي} أتبعه بأنه عادة الله في أنبيائه فذكر ما آتى {موسى وهارون} إشارة إلى قصتهما مع قومهما مع ما أوتوا من الفرقان والضياء والذكر، ثم نبه على ما آتى رسوله من الذكر المبارك ثم استفهم على سبيل الذكر على إنكارهم ثم نبه على ما آتى رسوله صلى الله عليه وسلم.و{الفرقان} التوراة وهو الضياء، والذكر أي كتابًا هو فرقان وضياء، وذكر ويدل على هذا المعنى قراءة ابن عباس وعكرمة والضحاك ضياء وذكرًا بغير واو في ضياء.وقالت فرقة: القرآن ما رزقه الله من نصره وظهور حجته وغير ذلك، مما فرق بين أمره وأمر فرعون والضياء التوراة، والذكر التذكرة والموعظة أو ذكر ما يحتاجون إليه في دينهم ومصالحهم أو الشرف والعطف بالواو يؤذن بالتغاير.وعن ابن عباس {الفرقان} الفتح لقوله: {يوم الفرقان} وعن الضحاك: فلق البحر.وعن محمد بن كعب: المخرج من الشبهات و{الذين} صفة تابعة أو مقطوعة برفع أو نصب أو بدل.ولما ذكر التقوى ذكر ما أنتجته وهو خشية الله والإشفاق من عذاب يوم القيامة والساعة القيامة وبالغيب.قال الجمهور: يخافونه ولم يروه.وقال مقاتل: يخافون عذابه ولم يروه.وقال الزجاج: يخافونه من حيث لا يراهم أحد ورجحه ابن عطية.وقال أبو سليمان الدمشقي: يخافونه إذا غابوا عن أعين الناس، والإشفاق شدة الخوف، واحتمل أن يكون قوله: {وهم من الساعة مشفقون} استئناف إخبار عنهم، وأن يكون معطوفًا على صلة {الذين}، وتكون الصلة الأولى مشعرة بالتجدّد دائمًا كأنها حالتهم فيما يتعلق بالدنيا، والصلة الثانية من مبتدأ وخبر عنه بالاسم المشعر بثبوت الوصف كأنها حالتهم فيما يتعلق بالآخرة.ولما ذكر ما آتى موسى وهارون عليهما السلام أشار إلى ما آتى محمدًا صلى الله عليه وسلم فقال: {وهذا} أي القرآن {ذكر مبارك} أي كثير منافعه غزير خبره، وجاء هنا الوصف بالاسم ثم بالجملة جريًا على الأشهر وتقدم الكلام على قوله في الأنعام {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} وبينا هناك حكمة تقديم الجملة على الاسم {أفأنتم له منكرون} استفهام إنكار وتوبيخ وهو خطاب للمشركين، والضمير في {له} عائد على ذكر وهو القرآن، وفيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم إذا أنكر ذلك المشركون كما أنكر أسلاف اليهود ما أنزل الله على موسى عليه السلام. اهـ..قال أبو السعود: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ}.نوعُ تفصيلٍ لما أُجمل في قوله تعالى: {وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ} إلى قوله تعالى: {وَأَهْلَكِنا المسرفين} وإشارة إلى كيفية إنجائهم وإهلاكِ أعدائهم، وتصديرُه بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الاعتناءِ بمضمونه، والمرادُ بالفرقان هو التوارةُ وكذا بالضياء والذكر، أي وبالله لقد آتيناهم وحيًا ساطعًا وكتابًا جامعًا بين كونه فارقًا بين الحقِّ والباطل وضياءً يستضاء به في ظلمات الجهلِ والغَواية وذِكْرًا يتعظ به الناسُ، وتخصيصُ المتقين بالذكر لأنهم المستضيئون بأنواره المغتنمون لمغانم آثارِه أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع والأحكامِ، وقيل: الفرقانُ النصرُ، وقيل: فلقُ البحر والأول هو اللائقُ بمساق النظمِ الكريم فإنه لتحقيق أمر القرآن المشارك لسائر الكتبِ الإلهية لاسيما التوراةِ فيما ذكر من الصفات، ولأن فلقَ البحر هو الذي اقترح الكفرةُ مثله بقولهم: فليأتنا بآية كما أُرسل الأولون، وقرئ ضياءً بغير واو على أنه حالٌ من الفرقان.وقوله تعالى: {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} أي عذابَه، مجرورُ المحل على أنه صفةٌ مادحة للمتقين أو بدلٌ أو بيان أو منصوب أو مرفوعٌ على المدح {بالغيب} حال من المفعول أي يخشَون عذابه تعالى وهو غائبٌ عنهم غيرُ مشاهد لهم، ففيه تعريضٌ بالكفرة حيث لا يتأثرون بالإنذار ما لم يشاهِدوا ما أنذروه، وقيل: من الفاعل {وَهُمْ مّنَ الساعة مُشْفِقُونَ} أي خائفون منها بطريق الاعتناء، وتقديمُ الجار لمراعاة الفواصل وتخصيصُ إشفاقهم منها بالذكر بعد وصفِهم بالخشية على الإطلاق للإيذان بكونها معظمَ المَخُوفاتِ وللتنصيص على اتصافهم بضد ما اتصف به المستعجلون، وإيثارُ الجملة الاسميةِ للدِلالة على ثبات الإشفاق ودوامِه.{وهذا} أي القرآنُ الكريم أشير إليه بهذا إيذانًا بغاية وضوحِ أمرِه {ذُكِرَ} يُتذكّر، وُصف بالوصف الأخير للتوراة لمناسبة المقام وموافقتِه لما مر في صدر السورةِ الكريمة {مُّبَارَكٌ} كثيرُ الخير غزيرُ النفع يُتبرّك به {أنزلناه} إما صفةٌ ثانية لذكر أو خبر {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} إنكارٌ لإنكارهم بعد ظهورِ كون إنزالِه كإيتاء التوراة، كأنه قيل: أبعد أن علمتم أن شأنَه كشأن التوراة في الإيتاء والإيحاءِ أنتم منكرون لكونه منزّلًا من عندنا؟ فإن ذلك بعد ملاحظةِ حالِ التوراة مما لا مساغَ له أصلًا. اهـ..قال الألوسي: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ}.نوع تفصيل لما أجمل في قوله تعالى: {وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ} [يوسف: 109] إلى قوله سبحانه: {وَأَهْلَكِنا المسرفين} [الأنبياء: 9] وإشارة إلى كيفية انجائهم وإهلاك أعدائهم، وتصديره بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الاعتناء بمضمونه، والمراد بالفرقان التوراة وكذا بالضياء والذكر، والعطف كما في قوله:ونقل الطيبي أنه أدخل الواو على {ضِيَاء} وإن كان صفة في المعنى دون اللفظ كما يدخل على الصفة التي هي صفة لفظًا كقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [الأنفال: 49] وقال سيبويه: إذا قلت مررت بزيد وصاحبك جاز وإذا قلت ومررت بزيد فصاحبك بالفاء لم يجز كما جاز بالواو لأن الفاء تقتضي التعقيب وتأخير الاسم عن المعطوف عليه بخلاف الواو، وأما قول القائل: فإنما ذكر بالفاء وجاء لأنه ليس بصفة على ذلك الحد لأن أل بمعنى الذي أي فالذي صبح فالذي غنم فالذي آب.
|